مئويّة أسفار عبد البهاء
نداء وحدة العالم الإنساني يعلو في عالم منقسم
“كان نور الهداية الإلهية في كل رسالة سماوية مسلطاً على مبدأ أساسي بعينه
في هذا الدور البديع والقرن الجليل أساس دين الله
والسّمة المميزة لشريعته هو الإقرار بوحدة العالم الإنساني“
في هذا الدور البديع والقرن الجليل أساس دين الله
والسّمة المميزة لشريعته هو الإقرار بوحدة العالم الإنساني“
بعد وصول حضرة عبد البهاء إلى مدينة لندن في اليوم الرابع من سبتمبر ١٩١١ قادماً من تونون لي بان، بادر الأب ر. ج. كامبل راعي كنيسة سيتي تمپل إلى دعوته ليتحدث إلى أعضاء هذه الكنيسة في يوم ٩ سبتمبر . وتكرم حضرته بقبول هذه الدعوة. وفي اجتماع حاشد ألقى حضرته الكلمة التالية:
«أيها الجمع المحترم وملتمس طريق الله،
الحمد لله، لقد أشرق نور الحقيقة وهبّ نسيم الرّوض الإلهيّ وارتفع نداء الملكوت في جميع الأقاليم، ونفخت نفثات الرّوح القدس في هويّة القلوب فوهبت لها الحياة الأبديّة. ففي هذا القرن البديع تنوّر الشّرق، وتعطّر الغرب، وتعنبرت مشام الرّوحانيّين، وماج بحر وحدة العالم الإنسانيّ، وارتفع علم الرّوح القدس، وإنّ كلّ إنسان منصف ليشهد بأن هذا اليوم لهو يوم بديع، وأنّ هذا العصر لهو عصر الله العزيز، وعما قريب يصبح العالم جنّة عليا.
إنّ هذا اليوم هو يوم وحدة العالم البشري واتّحاد جميع الملل. في الماضي كانت التّعصبات سبباً للجهالة وأساساً لتنازع البشر، ثمّ جاء هذا اليوم الظّافر بعناية الله القادر، وعمّا قريب تتموّج وحدة العالم الإنسانيّ في قطب الآفاق، وينقطع الجدال ويزول النّزاع، ويتنفّس صبح الصّلح الأكبر، ويتحوّل العالم إلى عالم جديد، ويصبح جميع البشر إخواناً، وتصير كافة الملل رايات لله الأكبر الجليل.
إنّ النّزاع وسفك الدّماء من خواص عالم الحيوان، أمّا الصّلح والصّلاح فمن مواهب عالم الإنسان. ولقد قال حضرة بهاء الله: العدل والإنصاف حياة العالم. فالحمد لله أن علم العدل مرتفع في هذه الرّبوع والمساواة بين البشر منتشرة وكذلك الحريّة والرّاحة والأمن والسّعادة. إنّ الله واحد والجنس البشريّ واحد وأساس أديان الله واحد وحقيقة الرّبوبيّة محبّة.
فيا أيها الأحباء، أبذلوا قصارى الجهد حتّى يتعانق الشّرق والغرب كما يتعانق العاشقان.»*1*
بتلك الكلمات افتتح حضرة عبد البهاء باكورة أحاديثه في مدينة لندن، منوهاً أن إحدى غايات أحاديثه هي إعلان وشرح ونشر مبدأ وحدة العالم الإنساني، ذلك المبدأ الجديد الذي أعلنه حضرة بهاء الله لأول مرة في رسالته إلى الملكة ڤيكتوريا في عام ١٨٦٨ في معرض مطالبته الملوك بالتشاور فيما بينهم لإصلاح العالم وحثهم على العمل لتحقيق وحدة سكان الأرض.وقد نوّه حضرة عبد البهاء إلى هذا المبدأ النبيل على أنه المحور الذي تدور حوله جميع تعاليم رسالة حضرة بهاء الله ووصفه بهدفها الرئيس بلغة جازمة: «كان نور الهداية الإلهية في كل رسالة سماوية مسلطاً على مبدأ أساسي بعينه… في هذا الدور البديع والقرن الجليل أساس دين الله والسّمة المميزة لشريعته هو الإقرار بوحدة بني الإنسان » (مترجم)*2*.
وقد أفصح خطاب عبد البهاء المذكور – على الرغم من اقتضابه – عن عدة أمور ذات أهمية بالغة وفي صميم مبدأ اتحاد البشر، فخطابه يبيّن، في المرتبة الأولى، أنّ أهداف الرسالات السماوية، رغم بعض الاختلاف في ظاهر أحكامها، لم تكن مقاصدها متباينة ولا غاياتها عشوائية، ولا كانت تعاليمها متفرقة بمعزل عن بعضها البعض، وإنما جمع بين كل الأديان خيط من نور الهداية المشعة من كلماتها حاملاً رسالة إلهية واحدة تهيئ مادياً وفكرياً وروحانياً لتوحيد البشرية على مراحل متدرجة تصل بهم في الوقت المحدود إلى درجة من النضج يصبح الدين معها جامعاً للبشر ولا يُرى في ظله الظليل إلاّ التجرد من كل خصوصية تحول من دون تعميم المحبة الشاملة للناس جميعاً وتحقيق سلام عام في ظل الإيمان بالتوحيد.